كشفت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، يوم الثلاثاء، عن تفاصيل "الغرفة السرية" لإحدى عملياتها العسكرية في مدينة اسدود بالداخل المُحتل.
وقالت القسام في بيان وصل "اليوم الإخباري"، "في تاريخ 14-3-2004 كان ميناء أسدود الإسرائيلي شديد التحصين على موعد مع استقبال الاستشهاديين محمود سالم ابن كتائب القسام ونبيل مسعود ابن كتائب الأقصى، اللذان فجرا نفسهما في جنود وشرطة الاحتلال داخل الميناء".
وأوضحت أن الاستشهاديين سالم ومسعود نفذا عمليةً مزدوجة في ميناء اسدود قبل أعوام أوقعت 11 قتيلاً إسرائيلياً و عشرات الجرحى، و تركت العملية أثراً واضحاً لدى حكومة الالاحتلال الذي اتخذ قرارا بعدها باغتيال قادة المقاومة.
وأشارت القسام إلى ان فعملية اسدود كانت الأولى التي نجح فيها مقاومون في الوصول إلى منطقة استراتيجية في العمق الإسرائيلي انطلاقا من قطاع غزة .
تطور نوعي
وتمكن استشهاديان "يسكنان مدينة غزة" من تنفيذ عملية تفجير داخل ما يسمى بميناء اسدود داخل الاراضي المحتلة عام 1948 مما أدى إلى مقتل أحد عشر إسرائيلياً واصابة العشرات، في عملية هي الأولى من نوعها منذ بداية انتفاضة الأقصى المباركة .
وأعلنت كل من كتائب شهداء الأقصى وكتائب الشهيد عز الدين القسام مسئوليتهما المشتركة عن العملية النوعية داخل ما يسمى بميناء اسدود عصر الأحد 14/3/2004م.
فكرة العملية
وأوضحت القسام في البيان، أن فكرة تنفيذ عملية استشهادية في ميناء أسدود، جاءت من قبل القيادي في القسام الشهيد فوزي أبو القرع والشهيد القائد حسن المدهون، مضيفة أنه جاءت الموافقة على الفكرة الأولى، وهي استهداف الميناء بعملية استشهادية تستخدم فيها المتفجرات و الأحزمة الناسفة.
وأكدت أن القيادة كانت تدرك أن هجوماً معقداً كهذا أمر بالغ الصعوبة في ظل الاحتياطات الأمنية الإسرائيلية البالغة ووجود قطاع غزة تحت حصار خانق براً و بحراً و جواً، مؤكدة أن نجاح المهمة كان رسالة لشارون و حكومته مفادها أن فرض الإجراءات الأمنية لا يكفي لجلب الأمن للاحتلال
ووقعت الموافقة على التنفيذ بسرية تامة، بعد الدراسة الكاملة والوافية، للخطة من كافة جوانبها و رسم خارطة مفصلة للميناء بناء على معلومات حصل عليها الجناحان العسكريان بطريقة خاصة،
وأضاف البيان "تم تكليف الشهيد فوزي أبو القرع مع قيادي آخر من كتائب القسام والشهيد حسن المدهون و قيادي آخر في كتائب الأقصى بمتابعة العملية والإعداد لها مع توفير كل الإمكانيات المتاحة".
وأوضح أن الوسيلة التي استخدمت في تنفيذ العملية هي حاوية بضائع خاصة تم توفيرها بصعوبة بالغة، بحيث تدخل الميناء الذي يعج بالحاويات التي تفرغ و تحمل البضائع من وإلى قطاع غزة عبر معبر المنطار.
" الغرفة السرية"
وتم تجهيز غرفة سرية وبدقة متناهية في نهاية الحاوية البالغ طولها 12 متراً، حيث لم يتجاوز عرض الغرفة 55 سنتمترا، بالإضافة إلى أنه تم نشاء جدار قياسي على غرار الجدار الحقيقي في نهاية الحاوية لا يستطيع من يراه أن يميزه.
وأفادت القسام، بأنه تم تثبيت مشابك حديدية في داخل الغرفة يتثبت بها الاستشهاديان عند قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي برفع الكونتينر و هزه لتفتيشه في المعبر، بحيث لا يعمل التفتيش و الأرجحة على تحرك ما بداخل الحاوية فتصدر أصوات تكشف أن أمراً ما في الداخل..
وأشارت إلى أنه على الجوانب الثلاثة للغرفة السرية تم عمل أبواب مموهة جيدا تفتح من الداخل ولا تفتح من الخارج ولم يترك أي فراغ في هذه الأبواب يثير الشك أو الريبة، ليخرج الاستشهاديان من أي الأبواب إذا ما تم حشر الحاوية بين حاويات أخرى في الميناء تغلق المنافذ، بحيث إذا أغلق المنفذ على اليمين يمكن أن يخرج المنفذان من الجهة اليسرى و العكس بالعكس، و إذا أغلق المنفذان الأيمن و الأيسر يخرجان من الباب الخلفي.
وأوضحت القسام أنه تم تجهيز ما يشبه (حمّام الطوارئ) و لوازم أخرى تتحفظ الكتائب عن الإفصاح عنها، بالإضافة إلى تزويد المنفذين بالمياه المعدنية و التمر.
اختيار المنفذين
واختارت كتائب الأقصى نبيل مسعود (17 عاماً) ، واختارت كتائب القسام الشهيد محمود سالم (18 عاماً)، وكلاهما من مخيم جباليا للاجئين، حيث تم تدريبهما تدريبا جيدا، و تأقلموا على الغرفة السرية، وتعلموا كيفية تثبيت أنفسهم عند تفتيش الحاوية داخل المعبر.
وأكد بيان القسام أن العملية في اسدود استخدم مواد متفجرة جديدة لم تستخدم في أي عملية سابقة.
وتم تزويد المنفذات بلباس خاص يتناسب مع طبيعة الهدف و أجهزة خلوية إسرائيلية "أورانج" للمتابعة و الاتصال مع غرفة العمليات المشتركة.
وبينت أنه تم مراجعة الخطة بشكل نهائي في فجر الرابع عشر من مارس 2004، حيث صعد محمود ونبيل للغرفة بعد إعطائهم التعليمات بإغلاق وسائل الاتصال التي بحوزتهم حتى دخول الميناء.
وصول الحاوية
وقالت القسام "وضع القادة حسابات زمنية بأن الحاوية ستكون في الطرف الإسرائيلي الساعة العاشرة من صباح ذلك اليوم، ولكن تأخر دخولها إلى الساعة الواحدة بعد الظهر بسبب وجود حاويات كثيرة تحت التفتيش، و مما زاد الطين بلة أن ذلك اليوم كان شديد الحر، فصارت المشقة والتعب مضاعفين على نبيل و محمود".
وخرجت الحاوية بعد تفتيشها من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، من المعبر باتجاه ميناء اسدود.
أنا عند أمي
واتصل نبيل على القائد حسن المدهون عند الساعة الرابعة عصراً، وقال "أنا عند أمي"، وهي كلمة السر المتفق عليها و التي تعني أن نبيل سيفجر نفسه في الهدف بعد ثوان معدودة، ثم انقطع الاتصال.
فجر نبيل نفسه داخل الميناء، بينما محمود ينتظر في مكان بعيد احتشاد جنود و شرطة الاحتلال في المكان ليفجر حقيبته وسطهم، وقد فجر نبيل نفسه على بعد أمتار من مخازن للمواد الكيميائية، الأمر الذي زاد الإرباك في صفوف الاحتلال.
تناقلت وسائل الإعلام العبرية أنباء وقوع انفجار مصدره اسطوانة غاز في ميناء اسدود، حيث لم يكن لدى الاحتلال الإسرائيلي ما يؤكد أن الانفجار نفذه فلسطيني.
وخرج الاستشهادي محمود سالم بعد تجمع جنود الاحتلال في مكان الانفجار الأول، وقام بتفجير نفسه وسطهم ليقتل 10 إسرائيليين ويصاب ثلاثين بعضهم بجراح خطيرة.
تعقيب إسرائيل على العملية
قالت كتائب القسام، إن "قادة الاحتلال صرحوا في تعقيبهم على العملية بأن كارثة كانت ستحدث في جنوب فلسطين المحتلة لو وقع الانفجار داخل مخازن المواد الكيميائية، واعترفوا أن المقاومة استهدفت منطقة استراتيجية لم تستهدف من قبل".
وأشاتر إلى أنه لم يخطر على بال الاحتلال الإسرائيلي الوسيلة التي نفذت من خلالها العملية، حيث قالوا إن "المهاجمين وصلا الميناء بواسطة أوراق مزورة، وقالوا إنهما "دخلا عبر نفق من تحت الأرض، ورجح البعض ا أنهما "وصلاً عن طريق البحر بواسطة زورق أو ضفادع بشرية".
وعلق الكاتب الإسرائيلي في صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية، على العملية قائلاً، "هذه العملية أثبتت أن لا جدار مهما كان عاليا يمكنه أن يمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أهدافهم التي يخططون لها بدقة".