خاص/ اليوم الاخباري
لا يمكن وصف ما يجري من أحداث في قطاع غزة حين دق الاحتلال الإسرائيلي طبول حربه على غزة وسكانها دون الاعتبار الى القوانين والأعراف الدولية التي تنص على حماية المدنيين العزّل، لتكون أهدافه بالدرجة الأولى الأطفال والنساء ومنازلهم التي يقصفها على رؤوس ساكنيها.
لم يكتفِ الاحتلال بذلك، بل أظهر حقده الدفين وعنصريته على شكل تهجير السكان من بيوتهم الى مناطق حددها على أنها آمنة ولم تكن يوماً كما قال، فمحافظتي الشمال وغزة أصبحت في ليلةٍ وضحاها خالية من السكان حيث لم يتبقى فيها سوى من كان غير قادر على النزوح بسبب عدم قدرته الصحية على ذلك، أو خوفه على أفراد عائلته من الموت أثناء التنقل كما حصل مع غيرهم من المواطنين الذين تم استهدافهم في سياراتهم في شارع صلاح الدين لحظة نزوحهم.
وصف "الحرب الطاحنة" تجلّى بأدق معانيه في هذا العدوان الإسرائيلي الذي شنه الاحتلال على المدنيين الذين يعيشون في القطاع المحاصر منذ ما يزيد عن 16 عاماً من أجل القضاء عليه بشكل كامل، هو يدعي بأنه سيقضي على حركة حماس التي تُدير قطاع غزة منذ عام 2007، لكن ما رأيناه ونراه يومياً من سفك للدماء واستباحة البيوت والدمار الكبير لا يشير الى القضاء على أحد الفصائل الفلسطينية، إنما يشير إلى حرب إبادة يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي ضد السكان للقضاء عليهم حتى باتت غزة إلى مدينة أشباح.
قساوة الاحتلال الذي يستهدفنا براً وبحراً وجواً دفعتنا بالخروج مجبرين من بيوتنا لنبحث عن الأمن في مناطق أقل خطورة من منطقتنا، بدأت الحرب في السابع من أكتوبر وخرجنا في اليوم الثالث عشر من ذات الشهر بسبب شراسة الأحداث وضراوتها، كان الطقس صيفاً مكنّا من النوم في أي مكان، لكن حينما أتى الشتاء بدأت الأمور تزداد تعقيداً بسبب عدم حصولنا على الملابس وغطاء النوم، كانت هي المرة الأولى التي لا يتمنى فيها المواطنون أن يأتي هذا الفصل بعدما كنّا متشوقين له، لكن البرد القارص أجبرنا على مخالفة أمنياتنا.
نزوحنا من ديارنا كلفنا الكثير، نجلس في خيمةٍ من الخشب والنايلون، تسترنا لكنها لا تدفينا، نفتقد لأدنى مقومات الحياة، نعيش حالات الفوضى في غلاء الأسعار من السلع والخدمات، المساعدات قليلة وشحيحة مقارنة مع الاحتياجات المطلوبة لأي انسان، حين تسقط الأمطار نتمنى لو ساعةً واحدةً نقضيها في غرفتنا التي تركناها مكرهين ولم نعلم الى الان إن كانت بخير أم لا!
نجح الاحتلال في عزلنا كلياً عن العالم حينما قطع الاتصال عن القطاع، فبعد أن قطع الكهرباء وأغلق آبار المياه وأقفل المعابر الحدودية، أقدم على حربه التي نعاني منها الى الان وهي قطع خدمات الاتصال والتواصل سواء المكالمات او خدمات الانترنت، فلم يعد هناك تواصل بين السكان للاطمئنان على ذويهم.
لم يعُد الغزيين تحمّل ما يفعله الاحتلال من مجازر، حيث يرتكب كل يوم مجازر بحق المدنيين في مربعات سكنية كاملة ما أدى لتغيير ملامح القطاع، حيث بلغت أعداد الشهداء منذ بدء العدوان 22,722 شهيد، ونحو 58,166 جريح، ودمر جيش الاحتلال 69000 وحدة سكنية بشكل كلي، كما وأخرج الاحتلال 30 مستشفى عن الخدمة بشكل كامل.
المؤسف أنه لا يوجد ملامح لهدنة إنسانية كبادرة خير لتوقف الحرب، رغم أن السكان لا يرغبون في هدنة مؤقتة كما حصلت في منتصف هذه الحرب، ويتطلعون لهدنة طويلة الأمد ووقف اطلاق النار من أجل وقف سيل الدماء الجاري الذي يرتكبه الاحتلال بحقنا سيما مع دخول أربعينية الشتاء التي تتسم بالبرودة القارصة، فالمشهد الذي يُدمي القلوب هم الأطفال والنساء الذين لا يتحملون هذا البرد في الخيم الموجودة على الطرقات وفي الساحات الزراعية، الأكثر حزناً الصمت الدولي الغريب الذي يسبب القهر.