فصلٌ جديد في تهجير الفلسطينيين ومخاوف من عدم العودة للديار

فصلٌ جديد في تهجير الفلسطينيين ومخاوف من عدم العودة للديار

2024/01/19 الساعة 10:31 م
فصلٌ جديد في تهجير الفلسطينيين ومخاوف من عدم العودة للديار

خاص/ اليوم الاخباري

لم يكن التهجير من الديار زمناً مضى على أجدادنا في نكبة فلسطين عام 1948 أو النكسة عام 1973 فحسب، بل تكرر المشهد حديثاً حينما أجُبرْنا على ترك بيوتنا وإخلائها بسبب تهديد الاحتلال الإسرائيلي المباشر لنا، هذا التهديد جاء بعد عدة رسائل ميدانية أنذرنا بها الاحتلال بقصفٍ أقل ما يمكن وصفه بأنه "عنيف" دفعنا للخروج بأروحنا دون التفكير بأي شيٍ آخر.

فمع بداية الحرب الضروس التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على غزة، أجبر الاحتلال كل من سكان منطقة الشمال ومدينة غزة النزوح من أراضيهم، المشهد كان يفوق الوصف وقت مرورنا بشارع صلاح الدين وهو الشارع الشرقي للقطاع بعد أن حدّده للمواطنين كطريقٍ آمنٍ رغم افتقاره للأمان.

قرار السكان الصعب بعد أن أجمعوا عليه جاء بعد عدّة رسائل نصيّة ومكالمات وجهها الاحتلال ظاناً نفسه أنه يتبع سياسات قانونية دولية في الحفاظ على المدنيين، بدأت عملية النزوح وسط مشهدٍ مريب والدموع لا تتوقف من هول الموقف، ازدحام الطرقات، والسيارات تحمل الحقائب التي تحتضن ما تبقى من منازلنا التي تركناها مكرهين ولا نعرف مصيرها الى الآن، أصوات القصف ومشاهد أعمدة الدخان المتصاعدة أمام أنظارنا وأنظار الأطفال والنساء، كلها أعادت لنا الذاكرة الى الوراء وقت أن حدّثنا أجدادنا عما حدث معهم في التهجير القسري الذين تعرضوا له آنذلك.

في اليوم الذي نستطيع فيه الاتصال بشبكة الانترنت في ظل انقطاعه الدائم، نسرق النظر الى مواقع التواصل الاجتماعي التي تحمل مشاهد غير سارّة لنا كنازحين حينما نرى جنود الاحتلال متمركزين في مبانٍ من الباطون ومنازل مواطنين ليأخذوا منها مقراتٍ لهم ومراكز متابعة لعمليتهم الإرهابية.

هذه المشاهد تثير فينا القلق الكبير فيما يتعلق بعودتنا الى ديارنا، فلو كان لدينا الأمل سنفقده بمجرد رؤية منازلنا يتمركز فيها جنود الاحتلال ليأخذوا منها مواقع لهم، عودة سكان غزة والشمال باتت الحلم لدى كل مواطن يسكن هناك، بتنا اليوم لا نعرف مصير بيوتنا حيث تركناها مجبرين ولا نعرف إن بقيت بسلامٍ أم ذابت مع قوة الضربات الصاروخية التي ضربها الاحتلال على مناطقنا.

القبلة التي توجه اليها سكان مدينة غزة والشمال هي مدارس تتبع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" التي تقع بعد وادي غزة في محافظات "الوسطى والجنوب" ليأخذوا من فصولها مأوى لهم، ولكن لم يستمر الحال على ما هو عليه بسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي في تهديد تلك المحافظات خاصةً الوسطى ما أجبر السكان للنزوح مرة أخرى الى منطقة مواصي خانيونس ومناطق محددة في مدينة رفح، ليصبح الأمر أكثر تعقيداً بسبب اكتظاظ المواطنين في بقعة جغرافية محدودة الأمر الذي دفعنا لإنشاء الخيم البلاستيكية المغطاة بالنايلون التي نعاني فيها برد الشتاء ومواجهة الأمطار والمنخفضات الجوية المتتالية في هذا الفصل.

جميع المواطنون في غزة يعيشون حالة من الإحباط بسبب إطالة مدى الحرب الإسرائيلية ضد غزة، حيث انتهى عام وبدأنا عام جديد وانتهى فصل الصيف وبدأنا فصل الشتاء ولم يتغير شيء سوى عدد الشهداء والجرحى الذي يتصاعد بشكلٍ يومي بفعل الاحتلال وآلياته وهجومه على المدنيين من الأطفال والنساء بشكل مباشر دون أي مبرر.

ويبقى سكان مدينة غزة وشمالها والمناطق التي هُجروا منها يخشون من استمرار الاحتلال في أراضيهم ومكوثهم فيها لأيام وشهور وسنوات، حيث يعيشون حالة من التشرّد وعدم الاستقرار ناتجة عن الحرب والقصف والدمار من جانب، ونزوحهم من بيوتهم وتركها مكرهين من جانبٍ آخر، ليبقى السؤال المتردد بشكلٍ يومي، هل سنعود الى ديارنا أم سيتكرر فصلٌ جديد فيتهجير الفلسطينيين من ديارهم؟.