روى عدد من الفلسطينيين القادمين من قطاع غزة ما مرّوا به خلال رحلتهم الطويلة والمعقّدة نحو جنوب أفريقيا، بعدما دفعتهم الحرب إلى البحث عن مكان آمن يلجؤون إليه.
وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني، كُشف عن رحلة غير مباشرة نفذت انطلاقًا من مطار "رامون" الإسرائيلي، متجهة إلى جوهانسبرغ مرورًا بإحدى محطات أفريقيا، وعلى متنها عشرات الفلسطينيين ومعظمهم عائلات. من بين هؤلاء كان الطبيب أحمد شحادة الذي خاطر بدفع مبلغ كبير عبر شبكة مجهولة مقابل فرصة مغادرة القطاع.
شحادة، الذي تحدث لمجلتي "جون أفريك" و"نيويورك تايمز"، قال إنه تلقى اتصالًا من رجل يزعم أنه يعمل في منظمة إنسانية ترتّب عملية المغادرة مقابل 1600 دولار للفرد، تُحوّل مسبقًا إلى حساب مشفّر. ورغم مخاوفه من الاحتيال، قرّر في النهاية أن يجازف، ليبدأ رحلة استمرت 24 ساعة مليئة بالتوتر: حافلتان منفصلتان، تفتيش إسرائيلي مشدد، رحلة جوية بلا وجهة معلنة، ثم الوصول أخيرًا إلى جنوب أفريقيا.
اتهامات وتفسيرات
وصل شحادة ضمن مئات الفلسطينيين الذين وصلوا على متن رحلتين وصفتها حكومة جنوب أفريقيا بأنها "مشبوهة". الرحلات تم ترتيبها بواسطة شركة تدعى "المجد أوروبا"، التي لا تُعرف عنها الكثير.
وزير الخارجية الجنوب أفريقي رونالد لامولا لمح إلى أن إسرائيل تقف خلف ما اعتبره "محاولة لطرد الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية"، وهو ما نفته تل أبيب.
فيما قال الرئيس سيريل رامافوزا إن الركاب "يبدو أنهم أُجبروا على المغادرة"، مؤكدًا التزام بلاده باستقبالهم.
انتقادات داخلية
واجهت السلطات الجنوب أفريقية انتقادات بسبب تعاملها مع طائرة ثانية وصلت وعلى متنها 153 فلسطينيًا أبقوا داخلها 10 ساعات قبل تسوية أوضاعهم.
الناشط نعيم جينا وصف تعامل سلطات الحدود بأنه "ضيّق"، ولم يضع في الاعتبار الظروف الإنسانية التي وصل منها هؤلاء الركاب.
تفاصيل الرحلة
بحسب شحادة، فقد حدثت الاتصالات مع شركة "المجد أوروبا" على مراحل، ودفع 6400 دولار قبل تلقيه اتصالًا ليلاً يأمره بالتوجّه إلى خان يونس خلال أربع ساعات.
طُلب من الركاب إغلاق الستائر وعدم استخدام الهواتف حتى الوصول إلى رفح، وأن يصرّحوا بأنهم ضمن إخلاء تابع للسفارة الفرنسية.
في معبر كرم أبو سالم، صادر الجنود الإسرائيليون ممتلكاتهم، ثم نُقلوا إلى مطار رامون حيث استقلّوا طائرة مستأجرة لم يُعلن عن وجهتها إلا بعد الإقلاع: نيروبي، ثم جوهانسبرغ.
وعند وصولهم، أخبرته الشركة بأنها حجزت لعائلته دار ضيافة لمدة أسبوع فقط، على خلاف الوعد السابق بمدة شهر.
وفي بيان نشرته "المجد أوروبا" في 17 نوفمبر، أكدت الشركة أنها تواصل العمل وحذرت من عمليات احتيال تستخدم اسمها.
شهادات إضافية
ركّاب آخرون، مثل لؤي أبو سيف، أكدوا أنهم لم يعرفوا شيئًا عن وجهتهم النهائية.
وبمساعدة منظمة إغاثية محلية، حصلت المجموعة على سكن مؤقت، قبل السماح لهم بالدخول ضمن إعفاء التأشيرة لمدة 90 يومًا المخصص للفلسطينيين.
حياة جديدة… واكتشاف السلام
أكثر ما أثّر في شحادة هو دهشة ابنته ذات الأربع سنوات أمام تفاصيل الحياة الطبيعية، من دخول متجر لشراء الطعام إلى شحن الهاتف بالكهرباء—أمور تقول إنها لم ترها إلا عبر الإنترنت.
يقول: "قالت لي: أبي، نحن نعيش كما لو كنا داخل يوتيوب".
موقف جنوب أفريقيا
وزير الخارجية لامولا عبّر سابقًا عن "ارتياب" حكومته حيال وصول الرحلة الأخيرة، مشيرًا إلى أنها قد تعكس "أجندة لتفريغ غزة والضفة من سكانهما".
وبسبب عدم وجود أختام مغادرة على جوازات الركاب، أبقت شرطة الحدود الفلسطينيين على متن الطائرة 12 ساعة قبل السماح لهم بالدخول بناءً على قرار من الرئيس رامافوزا واستنادًا لإعفاء الـ90 يومًا.